يمثل أقدم منجم ذهب في العالم باكورة إنتاج تلك الصناعة الإستراتيجية من المعدن الأصفر الذي يرمز -منذ قديم الأزل- إلى الثراء والزينة.

ويقع المنجم الذي يحمل اسم ساكدريسي (Sakdrissi) في جورجيا، ويعود تاريخه تحديدًا إلى أوائل الألفية الثالثة قبل الميلاد أو إلى النصف الثاني من الألفية الرابعة قبل الميلاد، ما يرجّح فرضية كونه أقدم منجم من نوعه في العالم.

ووفق متابعات تاريخية لمنصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يصل عمق أقدم منجم ذهب في العالم إلى 50 مترًا، وتلامس احتياطياته 20 طنًا.

وكان المنجم قد اكتُشِف قبل 18 عامًا بوساطة نخبة من علماء الآثار الجورجيين والألمان الذين شرعوا في حفر موقع المنجم عام 2006.

وتُقدَّر احتياطيات الذهب العالمية التي يمكن التنقيب عنها حاليًا بنحو 57 ألف طن، علمًا بأنه قد استُخرِج نحو187 ألف طن متري من الذهب حتى الآن، معظمها يأتي من الصين وجنوب أفريقيا وأستراليا، بحسب تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

اكتشاف مثير

تتّسم قصة اكتشاف أقدم منجم ذهب في العالم الواقع في منطقة كفيمو كارتلى جنوب شرق جورجيا، بالإثارة، لكونها قائمة على الصدفة البحتة؛ إذ لم يكن مُخططًا لها على الإطلاق، وفق ما هو موثّق في موسوعة بريتانيكا (Britannica).

فقد عُثِر على المنجم الذي يعود تاريخه إلى قرابة 5 آلاف عام خلال أعمال الحفر في مقبرة تقع بالقرب من العاصمة الجورجية تبليسي؛ حيث وُجِد أقدم منجم ذهب معروف للبشرية، ليس بعيدًا عن الموقع.

وعثر فريق الحفر بين على بقايا عظام آدمية قديمة داخل المقبرة المذكورة، يُعتَقَد أنها لأول عمال مناجم الذهب في العالم، والذين من المرجّح أنهم كان يعملون بأنشطة تعدين الذهب في منجم ساكدريسي.

كما عثر العلماء على قطع من السيراميك والأواني، وربما كانت تلك المقتنيات بمثابة قرابين دفن، غير أنهم لم يعثروا على أيّ أشياء أو مشغولات ذهبية.

وسرعان ما توصّل العلماء إلى اكتشاف حاسم في الغبار، وهو صغير جدًا ويكاد لا يُرى بالعين المجردة، ممثلًا في آثار لمعدن الذهب بالرمال.

وقد تكون آثار هذا الذهب أول دليل دامغ على معالجة خام الذهب المستخرَج من أقدم منجم ذهب في العالم، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

منطقة جاذبة

لفهم الحافز الذي دفع الناس خلال العصر البرونزي إلى السكن في موقع منجم ساكدريسي، فحصَ عالم الآثار توماس ستولنر من جامعة بوخوم الألمانية أرض الموقع من الجو؛ ليتوصل إلى أن تلك المنطقة كانت سهلة الحراسة بالنسبة للسكان، وكان من السهل الدفاع عنها ضد المهاجمين المحتملين.

وبمعاونة تقنية رادار اختراق الأرض، تمكّن الباحثون من إجراء حفر رقمي، وبالفعل، حدّد الجهاز الشوارع والقنوات والجدران تحت سطح الأرض.

وتدلّ القراءات على وجود مستوطنة في الماضي امتدت على مساحة نحو 60 هكتارًا، وكانت تتسع لعدد سكان يتراوح ما بين 2000 و3000 شخص.

*(الهكتار= مساحة تساوي 10 آلاف متر مربع).

ونجح علماء الآثار، باستعمال النتائج الجيوفيزيائية، في تحديد الأماكن التي يحتاجون إلى التنقيب فيها بدقةٍ بالغةٍ، وأسفرت عمليات التنقيب المنفّذة عن اكتشاف قطع أثرية تمثلت في أوانٍ فخارية، وقطع صغيرة من اللؤلؤ، وأدوات، وجدران، وفرن، ربما من النوع المستعمَل في صهر المعادن؛ وهو ما يؤكده اكتشاف حجر مسطح الشكل.

وربما قد تعرَّض سطح هذا الحجر إلى التآكل نتيجة للاحتكاك، ومن المحتمل أنه كان يُستعمَل حجر طاحون للذهب الخام؛ ما يفسّر وجود الرمال الذهبية.

وعثر علماء الآثار على فرن موجود في غرفة بالقرب من حجر الطاحون، كما اكتشفوا هيكلًا يشبه قرص العسل، وهو عبارة عن مصنع به ورش عمل لإنجاز عدد من خطوات الإنتاج؛ ما يشير إلى تقسيم العمل واستغلال الخبرات الكبيرة في إنتاج المعدن النفيس من أقدم منجم ذهب في العالم.

رواسب الخام

طُوِّر أقدم منجم ذهب في العالم برواسب خام المياه الحرارية المتعددة المعادن التي تحمل اسم ساكدريسي وسط القوقاز، على بعد 90 كيلومترًا جنوب تبليسي، عاصمة جورجيا.

وتشكّل رواسب الخام الحرارية المائية جزءًا من منطقة الخام في بلدة بولنيسي الواقعة على بُعْد 90 كيلومترًا جنوب شرق تبليسي، وكانت المنطقة تشهد عمليات غسل الذهب الغريني وصهر المعادن من الخامات منذ أقدم العصور، وهو ما يتضح من وجود بقايا التعدين في المصاهر.

والذهب الغريني هو نوع من الذهب يُنتَج في المناطق السفلية أو المنخفضة من الأنهار، ممزوجًا بالرمل الحجري الذي يمكن غسله.

وهناك تسجيلات مكتوبة تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر، تؤرّخ عمليات معالجة أنواع الخام المختلفة منذ العصور الوسطى، وتصف بالتفصيل الرواسب المعدنية في جنوب شرق جورجيا.

وتُظهِر تلك التسجيلات استخراج النحاس والحديد بكثافة خلال النصف الثاني من القرن الـ18، أي في أثناء حكم ملك جورجيا هرقل الثاني، وفق معلومات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وتظهَر رواسب الذهب بأقدم منجم ذهب في العالم عند الحافة اليسرى لوادي نهر ماشيفيرا، وهو المكان الذي ما تزال تظهر فيه بقايا قرية ذكرَها أمير ملكي وخبير جغرافي جورجي يُدعى فاخوشتي باغراتيوني، حيث قال: إن سكان القرية "يعملون في نشاط تعدين النحاس والحديد والأزورديت من تل الخامات".

مصداقية الاكتشاف

سبق أن شككت الحكومة الجورجية السابقة في مصداقية اكتشاف أقدم منجم ذهب في العالم، قائلة، إن الأمر لا يعدو كونه مجرد افتراض، بحسب ما نشرته بي بي سي.

وقال رئيس الوزراء الجورجي السابق إيراكلي غاريباشفيلي: "لم يثبت أن ساكدريسي منجم ذهب قديم - إنه مجرد افتراض"، وفق تصريحات سابقة أطلقها في عام 2014.

لكن، ولسنوات طويلة، درس عالم الآثار توماس ستولنر السجل الأثري في ساكدريسي مع زملائه في جورجيا، زاعمًا أن القطع الأثرية المكتشفة آنذاك، وتحوي مجموعةً من الأقراط الذهبية الحلزونية التي عُثر عليها في أذربيجان المجاورة، يمكن أن تُنسَب إلى منجم ساكدريسي.

إنتاج الذهب العالمي

لامس إنتاج الذهب من المناجم عالميًا أعلى مستوياته على الإطلاق خلال النصف الأول من العام الحالي (2024)، وفق تقديرات سابقة لمجلس الذهب العالمي، رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وصعد إنتاج الذهب العالمي من المناجم بنسبة 2%، أو ما يعادل 35.5 طنًا، ليصل الإجمالي إلى 1788 طنًا خلال الشهور الـ6 الأولى من هذا العام، قياسًا بقرابة 1752 طنًا خلال المدة المقارنة من عام 2023.

وخلال الربع الثاني من عام 2024، سجل إنتاج الذهب زيادة نسبتها 3.2%، أو ما يعادل 29.4 طنًا، ليصل الإجمالي إلى 929.1 طنًا، مقارنةً بمستوى الإنتاج البالغ 899.7 طنًا خلال المدة ذاتها من العام الماضي.

وبلغ إنتاج الذهب العالمي 3644.5 طنًا خلال عام 2023 بأكمله، بارتفاع طفيف لم يتخطَّ 0.3%، قياسًا بمستواه البالغ 3634.3 طنًا خلال العام السابق (2022).

ويحوي العالم -الآن- نحو 200 ألف طن من الذهب قيد التداول والحيازة، إلى جانب قرابة 57 ألف طن قيد التعدين، أمّا الكتلة المتوفرة تحت القشرة الأرضية، فتضعها تقديرات عند 12 تريليون طن، ويمكن الوصول إليها حال تطوير تقنيات استكشاف جديدة.

ويوضح الفيديو أدناه جوانب من جولة علماء آثار داخل أقدم منجم ذهب في العالم:

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..