كيف غيرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي مسار الاكتشافات العلمية؟

البوابة العربية لأخبار التقنية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشهد عالمنا تحولًا جذريًا بفضل التقدم المتسارع في مجال العلوم والتكنولوجيا، لقد دخلنا حقبة جديدة تتميز بقدرة غير مسبوقة على حل المشكلات المعقدة التي طالما حيّرت البشرية، فقد كان التقدم العلمي بطيئًا نسبيًا في العقود الماضية، ولكن في السنوات القليلة الماضية فقط، أدت التطورات في مجالات ناشئة سابقًا مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية إلى تسريع وتيرة الاكتشاف العلمي بنحو كبير.

وتُعدّ الاكتشافات التي توصلنا إليها حتى الآن، هي نتاج تعاون طويل الأمد بين مختلف الأطراف المعنية، من العلماء وخبراء التكنولوجيا إلى صناع القرار، وتمثل خريطة طريق واضحة لكيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحقيق تقدم كبير في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح البشرية.

ولكن ما تلك الاكتشافات المذهلة التي فتحت أبوابًا جديدة للعلم، وكيف سهل الذكاء الاصطناعي الوصول إليها وماذا يخبئ لنا المستقبل؟

1- كسر التحدي الكبير الذي دام 50 عامًا للتنبؤ ببنية البروتين:

لطالما كان تحديد بنية البروتين هو المفتاح لفهم كيفية عمل الكائنات الحية، ولكنه كان تحديًا مستعصيًا على الحل لعقود، وبفضل الذكاء الاصطناعي تمكن العلماء من حله، ففي عام 2022، كشفت شركة (DeepMind) التابعة لجوجل عن نموذج (AlphaFold 2)، الذي استطاع التنبؤ بدقة مذهلة بهياكل 200 مليون بروتين، وقد حقق دقة تنبؤ تضاهي تلك التي تُحقَّق في التجارب المعملية المعقدة.

ويمثل هذا الإنجاز قفزة نوعية في علوم الأحياء الحاسوبية والهندسة الحيوية، إذ كان تحديد بنية بروتين واحد يستغرق عادةً عامًا أو أكثر، في حين يستطيع نموذج (AlphaFold) القيام بذلك في دقائق معدودة.

وبفضل نشر تنبؤات بنية البروتين في قاعدة بيانات مجانية، تمكن العلماء حول العالم من تسريع وتيرة الأبحاث في مجالات حيوية مثل: تطوير أدوية جديدة، ومكافحة مقاومة المضادات الحيوية، والتصدي لتحدي التلوث البلاستيكي. والآن، يتطلع نموذج (AlphaFold 3) القادر على التنبؤ بهياكل البروتينات، وبتفاعلاتها مع الحمض النووي DNA أيضًا، والحمض النووي الريبوزي RNA، والجزيئات الأخرى، إلى توسيع نطاق هذه الإنجازات.

وتجدر الإشارة إلى أن مبتكري نموذج (AlphaFold) فازوا بجائزة نوبل في الكيمياء هذا العام، فقد حصل ديفيد بيكر من جامعة واشنطن على نصف الجائزة بفضل إسهاماته في تصميم البروتينات باستخدام الحاسوب، في حين حاز ديميس هاسابيس وجون جامبر من شركة ديب مايند النصف الآخر من الجائزة، وذلك تقديرًا لإسهاماتهم البارزة في مجال تصميم البروتينات والتنبؤ بهياكلها.

2- رسم خريطة للدماغ البشري: 

لطالما كان الدماغ البشري بغموضه وتشابكاته المعقدة لغزًا محيرًا للعلماء، وفي خطوة نحو فك شفرته تعاونت شركة جوجل مع مختبر ليختمان في جامعة هارفارد، لرسم خريطة لجزء صغير من الدماغ البشري بمستوى من التفاصيل لم يُحقق من قبل.

فقد نجح فريق (Google Research) في تطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة لبناء نموذج تفاعلي ثلاثي الأبعاد لأنسجة الدماغ، وقد كشف هذا النموذج، الذي يمثل خريطة تفصيلية لـ 1.4 بيتابايت من البيانات، عن مستوى مذهل من التعقيد في بنية الدماغ.

ففي عينة لا تتجاوز حجم حبة الرمل، اكتشف الباحثون شبكة معقدة مكونة من نحو 50,000 خلية عصبية متصلة ببعضها عبر 150 مليون مشبك عصبي، مما يشير إلى أن الدماغ البشري أكثر تعقيدًا مما كنا نظن بكثير. والأكثر إثارة للاهتمام هو اكتشاف اتصالات قوية بشكل غير عادي بين بعض أزواج الخلايا العصبية، إذ يصل عدد المشابك العصبية بينهما إلى 50 مشبكًا عصبيًا.

ويمثل هذا الإنجاز العلمي الضخم نقطة تحول في مجال علوم الأعصاب، إذ يوفر للباحثين قاعدة بيانات غنية بالمعلومات يمكن الاستفادة منها لفهم آليات عمل الدماغ بنحو أفضل، وتطوير علاجات جديدة للأمراض العصبية مثل الزهايمر والصرع وباركنسون.

3- إنقاذ الأرواح من خلال التنبؤ الدقيق بالفيضانات:

بدأ مشروع التنبؤ بالفيضانات في جوجل في عام 2018 كحلم بعيد المنال، إذ اعتقد  الكثيرون أنه من المستحيل تقديم تنبؤ دقيق بالفيضانات على نطاق واسع، نظرًا إلى ندرة البيانات، ومع ذلك تمكن الباحثون في جوجل من تطوير نموذج ذكاء اصطناعي يحقق الموثوقية في التنبؤ بالأحداث النهرية المتطرفة في مستجمعات المياه غير المقاسة في مهلة زمنية تصل إلى خمسة أيام مع موثوقية تطابق أو تتجاوز موثوقية التنبؤات الآنية.

وقد وسعت جوجل هذا العام نطاق هذه التغطية لتشمل 100 دولة و700 مليون شخص حول العالم، وحسّنت نموذج الذكاء الاصطناعي بحيث يوفر الدقة نفسها في مهلة زمنية مدتها سبعة أيام كاملة بدلًا من خمسة أيام، مما يوفر الوقت الكافي لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

4- ثورة في مكافحة حرائق الغابات بفضل الذكاء الاصطناعي:

تتصاعد حدة حرائق الغابات حول العالم بفعل التغيرات المناخية، مما يشكل تهديدًا كبيرًا للمجتمعات والبيئة، ولمواجهة هذا التحدي، أطلقت شركة جوجل بالشراكة مع دائرة الغابات الأمريكية، مشروع (FireSat) وهو نظام مبتكر يجمع بين أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وأسطول من الأقمار الصناعية للكشف المبكر عن حرائق الغابات وتتبعها بدقة عالية.

ويمتاز (FireSat) بقدرته على اكتشاف الحرائق الصغيرة جدًا، بحجم فصل دراسي، وتوفير صور عالية الدقة في غضون 20 دقيقة، مما يمكن لفرق الإطفاء التدخل بسرعة وفعالية، ويؤدي إلى إنقاذ الأرواح والممتلكات والموارد الطبيعية.

5- تحسين نماذج التنبؤ بالطقس:

في إنجاز علمي بارز، كشفت شركة جوجل ديب مايند في عام 2023 عن نموذجها (GraphCast)، الذي يمثل نقلة نوعية في مجال التنبؤ بالطقس، والذي يستخدم تقنيات التعلم الآلي لتقديم تنبؤات دقيقة للأحوال الجوية على مدى العشرة أيام القادمة، متفوقًا بنحو ملحوظ على النماذج التقليدية المستخدمة في هذا المجال.

ويمتاز نموذج GraphCast بسرعته الفائقة ودقته العالية في التنبؤ بظواهر جوية متنوعة، بدءًا من درجات الحرارة وهطول الأمطار ووصولًا إلى مسارات الأعاصير والعواصف. وقد أثبت النموذج فعاليته في التنبؤ بمسار إعصار (لي)، الذي ضرب نوفا سكوشا في كنذا، إذ تمكن من التنبؤ بدقة بمسار الإعصار قبل ثلاثة أيام من النماذج التقليدية، مما ساهم في توفير الوقت الكافي لاتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة.

ويمكن الاستفادة من نموذج GraphCast في العديد من المجالات، مثل الزراعة وإدارة الكوارث والتخطيط العمراني. كما يفتح الباب أمام تطوير نماذج أكثر تطورًا للتنبؤ بظواهر طبيعية أخرى.

6- تطوير حدود التفكير الرياضي:

لطالما كانت الرياضيات، وخاصة الهندسة، تمثل تحديًا كبيرًا للذكاء الاصطناعي بسبب تعقيداتها وتطلبها لقدر كبير من الفهم والتفكير الاستنتاجي، فحتى مع تطور خوارزميات التعلم الآلي، كانت الأنظمة الذكية تعجز عن حل المسائل الهندسية المعقدة التي تتطلب مستوى عالٍ من الإبداع والمرونة في التفكير.

ولكن هذا الوضع تغير هذا العام، إذ كشف جوجل عن (AlphaGeometry)، وهو نموذج ذكاء اصطناعي يحل المشاكل الهندسية المعقدة بمستوى أداء يقارب مستوى المتسابقين الذين يحرزون الميداليات الذهبية في أولمبياد الرياضيات الدولي، وهو ما يُعدّ تطورًا كبيرًا في أداء الذكاء الاصطناعي والسعي للوصول إلى أنظمة ذكاء اصطناعي عامة أكثر تقدمًا.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل دربت جوجل (AlphaGeometry 2) على نموذج (جيميني) ودمجته في نموذج جديد يحمل اسم (AlphaProof)، وقد تمكن النموذجان معًا من حل نسبة بلغت 83% من جميع المسائل الهندسية التي ظهرت في أولمبياد الرياضيات الدولي على مدار الـ 25 عامًا الماضية.

7- التنبؤ بدقة بالتفاعلية الكيميائية:

تعاونت شركة جوجل مع فريق بحثي مشترك من جامعتي كاليفورنيا في بيركلي وكولومبيا في عام 2020، لإجراء أكبر عملية محاكاة كيميائية باستخدام حاسوب كمي حدثت حتى الآن، وقد أظهرت نتائج هذه المحاكاة، التي نشرت في عام 2022، إمكانية استخدام الحوسبة الكمية في حل مسائل كيميائية معقدة بدقة أعلى من الطرق التقليدية.

والأكثر إثارة للإعجاب هو أن الباحثين تمكنوا من التغلب على إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه الحوسبة الكمية، ألا وهي الأخطاء التي تنتج عن طبيعة الحسابات الكمية الهشة.

ومن المتوقع أن تساهم هذه النتائج في تطوير فهمنا للتفاعلات الكيميائية وحركة الجسيمات على المستوى الجزيئي. وبفضل هذه القدرة على إجراء محاكاة دقيقة، يمكن للعلماء تطوير مواد جديدة ذات خصائص محددة، وتصميم أدوية أكثر فعالية، وفهم آليات التفاعلات الكيميائية المعقدة بنحو أفضل.

الخلاصة: 

تُعدّ هذه الإنجازات مجرد بداية لما يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم، فمع استمرار التطور التكنولوجي، يمكننا توقع المزيد من الاكتشافات العلمية التي ستغير حياتنا بشكل جذري. ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين من المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي، وأن نعمل على تطويره بطريقة مسؤولة وأخلاقية.

الوسوم

AlphaFold AlphaGeometry AlphaProof DeepMind GraphCast الأقمار الصناعية التعلم الآلي الحوسبة الكمية الذكاء الاصطناعي الطقس تغير المناخ جائزة نوبل جامعة هارفارد جوجل ديب مايند

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق