بمناسبة تنصيب المدير الجديد .. معهد تاريخ المغرب يتعهد بتجاوز المفهوم التقليدي

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

التزامٌ بتجاوز “المفهوم التقليدي للتاريخ” في عمل المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، التابع لأكاديمية المملكة المغربية أعلى المؤسسات الثقافية الرسمية بالمملكة قانونا، حضر في تنصيبِ مديره الجديد رحال بوبريك، حتى يصير التاريخ “أداة استشرافية تعزز فهم السياسات الفكرية والثقافية، لبناء وعي جماعي يدمج بين الماضي والحاضر، واستلهام الدروس من التجارب التاريخية لمواجهة تحديات العصر”، وفق عبد الجليل لحجمري، أمين السرّ الدائم لأكاديمية المملكة المغربية.

بمقر المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب بالرباط، مساء الخميس، تمّ تسليم المهام بين مديره السابق المؤرخ محمد كنبيب، والمدير الحالي المعيّن ملكيا، في المجلس الوزاري لشهر أكتوبر الماضي، الأكاديمي رحال بوبريك الذي سبق أن شغل منصب مدير مركز الدراسات الصحراوية بجامعة محمد الخامس، ودرّس الأنثروبولوجيا (علم الإناسة)، وكان أستاذا باحثا بمعهد الدراسات الإفريقية بالعاصمة، وأستاذا زائرا بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس الفرنسية.

وأكّد عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، أن “التاريخ مصدر لاستلهام القيم والثوابت، ويشكل قاعدة انطلاق من أجل مشروع حضاري متكامل يجمع الأصالة والحداثة”؛ ومن هنا تبرز “أهمية توسيع أفق البحث التاريخي بالمعهد ليشمل مجالات جديدة متداخلة بين التاريخ والدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية والجغرافية، من أجل فهم دقيق لتحولات المجتمع المغربي عبر العصور، ليكون التاريخ وسيلة لبناء وعي نقدي يعيد النظر في المسلمات، ويطرح أسئلة جديدة تعمق النظر في مختلف العوامل المؤثرة في تصور المجتمع وسيرورته”.

وتابع: “المعهد الذي يعد مؤسسة علمية مكلفة بالبحث في تاريخ البلاد، والارتقاء بالمعارف المتعلقة بتاريخه القريب والبعيد”، من أبرز مهامه “تطوير ونشر المعرفة التاريخية المتعلقة بتاريخ المملكة، وتنمية الأرشيف والرصيد الوثائقي في المجال، وإعداد وتنفيذ مختلف البرامج والأنشطة العلمية المتعلقة بتاريخ المغرب وتراثه الحضاري، وإصدار منشورات موجهة للشباب، وإعداد مؤلفات متعددة اللغات خاصة بالمغاربة المقيمين بالخارج، وترسيخ أسس الذاكرة الجماعية للمغاربة وتوثيقها، لا باعتبارها مجرد سجل لتاريخ المغرب، بل مرآة تعكس تاريخ الأمة عبر العصور”.

وأردف لحجمري قائلا: “لا ريب أن هذه الرؤية تقتضي تناول تاريخ المغرب، باعتباره أكثر من سرد لأحداثه السياسية، بتناول أبعاد تشمل الإسهامات الثقافية والفكرية والاقتصادية والدينية، التي أضحت علامات بارزة في تاريخ العالم الإسلامي وحوض المتوسط وإفريقيا”.

المعهد، إذن، حسب أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة، “يعمل على استعادة الذاكرة الثقافية المرتبطة بالمجتمع المغربي عبر العصور، دينيا وثقافيا ولغويا، التي تجمع بين العناصر الأمازيغية والعربية والأندلسية والإفريقية، في لوحة عريقة، تشهد على عمق الحضارة المغربية وتنوعها الفريد”، لكن تتجاوز المهمة المنوطة به “دراسة التاريخ بمعناه البسيط”، إلى أن يكون “مركزا لصيانة الهوية المغربية، في سياق عالمي سريع التغير”؛ حتى يصير التاريخ لا مجرّد “أداة لفهم الماضي”، بل “وسيلة لترسيخ الهوية الوطنية وتجديد الشعور بالانتماء، من خلال مشاريع بحثية رائدة لنشر المعرفة التاريخية وتعميق الاهتمام الأكاديمي بها وطنيا وعربيا ودوليا”.

وتستوجب هذه “الآفاق الجديدة للبحث في تاريخ المغرب (…) اهتماما خاصا بتكوين جيل جديد من المؤرخين الشباب”، عبر “دورات تدريبية ملائمة لهم لاكتساب أحسن مناهج البحث والتكوين، وتعزيز البحث العلمي والتبادل الأكاديمي مع المؤسسات الوطنية والعربية والدولية، لتوسيع شبكة المعرفة التاريخية العالمية المرتبطة بتاريخ المغرب”.

محمد كنبيب، المدير السابق للمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، قال من جهته إنه قد تشرّف بالإسهام في تعزيز إشعاع المغرب وحضارته، وطنيا ودوليا، طبقا للتوجيهات الملكية، وتحدّث عن ندوات ومنشورات نظّمت في عهدته، وأخرى مقبلة في سنة 2025، من بينها عمل كبير حول “تاريخ المغرب” يقف عند المحطات الكبرى التي شكلت تاريخ المغرب، في علاقة بالتفاعلات الدولية، ويمكّن القارئ من “فهم عمقه التاريخي والثقافي”.

رحال بوبريك، المدير الجديد للمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، تحدث عن “مدى جسامة المسؤولية التي بقدر ما هي تشريف فهي تكليف”، وحيّا “مجهودات محمد القبلي، ومحمد كنبيب، والأعمال التي أنجزت تحت إشرافهما”، متعهدا “بمواصلة التراكم العلمي بنفس جديد، ضمن الدينامية التي انخرطت فيها أكاديمية المملكة المغربية منذ سنة 2015″، للارتقاء بالمعارف المتصلة بالماضي القريب والبعيد للمغرب، بهدف ترسيخ الهوية المغربية، والتأصيل للذاكرة الجماعية، والسهر على إعداد مختلف البرامج والأنشطة العلمية.

وزاد: “المغرب من الأمم العريقة التي عرفت حضارة عمّت بإشعاعها محيطها وتجاوزته إلى الكونية، وكشف الاكتشاف الأثري بجبل إيغود، لأقدم إنسان عاقل بالعالم، أن بلدنا مهد للإنسانية. كما أن رصيد المغرب التاريخي يجعل البلد عريقا بماضيه معتزا بحاضره واثقا من مستقبله، بإرث مشترك كرس وحدة المغاربة، وهويتهم بتنوع حضاري، تحت مؤسسة واحدة ضامنة لهويتهم الدينية والسياسية”.

والتزم بوبريك بـ”مواصلة الاستفادة من الأبحاث الأثرية واستنطاق المخطوطات والمصادر الدفينة، واستمرار البحث على الوثائق والأرشيفات وتدوين الرواية الشفوية”، في “مشروع وطني” هادف، لـ”الاهتمام بالسردية الوطنية والتأريخ للشعور الوطني، وسيرورة تشكل الهوية الوطنية بمكوناتها وروافدها، واستحضار مكونات الحاضر”، مع “استحضار تقلبات العالم اليوم، والحضور القوي لوسائل التواصل الحديثة والتقدم التقني المتسارع؛ فالبحث التاريخي دعامة لتماسك المجتمع”.

وأكّد بوبريك أن الدعوة للتاريخ المُنْصَبّ على الانتماء الوطني، لا تعني الانتصار للأهواء الذاتية؛ بل مشاركة المؤرخ في التفسير وتعميم المعرفة العلمية في قضايا وطنية حاسمة. والالتزامُ بالقضايا الكبرى للوطن من المؤرخ غير متعارض مع الحيادية والبحث عن الحقيقة”.

وذكر بوبريك أن “الالتزام بالقضايا الكبرى للبلد” لا يعني “التفريط في تحري الدقة والالتزام المنهجي الصارم، والصرامة المنهجية والقواعد الأكاديمية في الكتابة التاريخية؛ فقوةُ كل مؤسسة علمية في التمسك بالقواعد العلمية المتعارف عليها وطنيا ودوليا”، كما أن “التأريخ للشعور الوطني لا يعني الانتصار للشوفينية والانطواء الهوياتي”، بل البحث في المغرب “بتعدد هويته، وماضيه المنفتح إفريقيا، وأورو-متوسطيا، وأطلسيا، لكونه بلد التنوع، والتعايش، والإيمان بكونية الإنسان، وهذا أحد أسرار قوة المغرب في العالم”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق