تمكّنت محكمة التركات في محاكم دبي من تسوية نزاعات قديمة حول تركات، امتد بعضها لأكثر من 10 سنوات، منها نزاع معقد بين ورثة منذ عام 2014، وتم التوصل أخيراً إلى قسمة رضائية حصلوا بموجبها على حقوقهم.
كما حسمت المحكمة، خلال يوم واحد، نزاعاً استمر أربع سنوات لتركة مدينة، وبلغت قيمة تسويات أنجزتها، خلال أقل من عام منذ إنشائها، نحو 2.3 مليار درهم.
وقال رئيس المحكمة، القاضي محمد جاسم الشامسي، إن محكمة التركات ليست مجرد محكمة قضائية تقليدية، بل منظومة متكاملة تهدف إلى تقديم حلول فعّالة وسريعة للنزاعات المتعلقة بالتركات، التي قد تؤثر في استقرار الأسر والمجتمع بشكل عام.
وذكر الشامسي، خلال لقاء إعلامي حول دور المحكمة – التي أُسست بموجب مرسوم من سموّ الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية رئيس المجلس القضائي – أن محكمة التركات إحدى المبادرات التي تعكس المرونة في تقديم الخدمات التي تتسم بها حكومة دبي، إذ تدمج جميع الخدمات ذات الصلة بالتركات وأموال القُصّر في محكمة واحدة، ما يسهل على المتعاملين تقديم مطالباتهم وحل قضاياهم في أسرع وقت ممكن، وهذا الدمج يساعد في توفير بيئة قضائية تتمتع بالكفاءة والسرعة، ويجعل الوصول إلى العدالة أكثر مرونة، وهو ما يعكس سياسة حكومة دبي في تقديم خدمات قضائية متميزة تلبي احتياجات أفراد المجتمع، وفقاً لأعلى معايير الجودة والكفاءة.
وأضاف أن هناك أثراً اجتماعياً عميقاً لسرعة إنجاز نزاعات التركات، يتمثل في تعزيز التقارب بين أفراد الأسرة الواحدة وتضييق هوة الخلاف، موضحاً أن التأخر في حسم مصير التركات يسبب فتوراً بين أفراد الأسرة، فيظن أحدهم أن شقيقه سبب التأخير، أو يحمّل الأم أو الابن المسؤولية، وكلما طال أمد حسم الخلاف يتبادل الأطراف اللوم ويتعمق الشرخ في العلاقة.
وأشار إلى أن هناك بُعداً اقتصادياً مهماً يتعلق بعدم تأثر أصول التركة بطول الفترة، فتظل الشركات معلقة من دون إدارة واضحة، أو تجمد ممتلكات ولا يستفاد منها بشكل مناسب مثل العقارات، عازياً تراكم بعض الملفات أو القضايا في بعض الحالات إلى عدم الإلمام الكافي من الورثة بإجراءات تصفية التركة، والتعامل معها باعتبارها دعاوى قضائية تقليدية، لكن في الواقع يوجد فرق كبير، في ظل تبني المحكمة مسارات عدة للتوصل إلى قسمة رضائية، خصوصاً أن حق الورثة في التركة ثابت دينياً.
وتابع أن محكمة التركات تسعى دائماً إلى تسهيل حصول الوارث على حقه ووصوله إلى ماله، ولديها خيارات ومراحل عدة لتحقيق ذلك في أسرع وقت، وأقصر وسيلة لتلافي الخلافات الأسرية والحفاظ على الروابط الاجتماعية.
وأشار إلى أن المحكمة تتبنى مساراً واضحاً منذ إنشائها يستند إلى ثلاث مراحل، هي حصر التركة، والتسوية من خلال قسم متخصص مدعم بكوادر يتمتعون بكفاءة عالية، يعملون على إقناع الورثة وتقريب وجهات النظر بينهم، وعرض اقتراحات ومشروعات جاهزة للتسوية، مع منحهم فرصة إبداء الرأي حتى تتم القسمة بصورة رضائية، أو اللجوء إلى مسار التقاضي، وهو المرحلة الثالثة.
وتابع أن نسبة تراوح بين 60% و70% من الملفات تحسم بصورة ودية، وبلغت قيمة التركات التي تمكنت المحكمة من تسويتها، خلال قرابة عام من إنشائها، نحو 2.3 مليار درهم، و626 عقاراً، لافتاً إلى أن «هذه الممتلكات كان يمكن أن تكون مثار خلافات ونزاعات قضائية».
وأكد الشامسي أن أهم ما يميز المحكمة هو وجود مرجعية واضحة، على عكس السابق حين كانت التسوية جزءاً من محكمة الأحوال الشخصية.
وفي حال عدم اتفاق الأطراف، تتنوّع الدعاوى حسب طبيعة الخلاف، فمنها ما يُنظر بالمحكمة المدنية أو العقارية أو التجارية والأسرية، لكن الوضع مختلف حالياً فكل المسارات اجتمعت تحت مظلة محكمة التركات، وهناك أمد محدد للتقاضي، الأمر الذي يختزل عملية التسوية أو النزاعات لزمن قياسي مقارنة بما كان متبعاً سابقاً.
وأفاد بأن محكمة التركات نجحت في تحويل التحديات المرتبطة بالقضايا العائلية والمالية إلى قصص ملهمة تُجسد الابتكار القضائي بفضل الإجراءات الميسرة، والخدمات المدمجة تحت سقف واحد، واستطاعت تسوية نزاعات عائلية معقدة. وتابع أن مركزية التعامل مع نزاعات وملفات التركات من خلال محكمة واحدة، أتاحت لها النظر بتمعن إلى الملفات القديمة، التي تراكم بعضها منذ عام 2007، فعكف فريق العمل على دراستها وقراءتها وإعداد تحديث بتفاصيلها.
وتبيّن أن بعضها كان يقف على تفاصيل بسيطة مثل خلاف على مبلغ مالي، أو بسبب عدم تحريكها من ذوي الصلة، أو انتهاء ملف التنفيذ من دون أن يتابعه أحد، فبدأت المحكمة العمل عليها وأنجزت كثيراً منها، ولايزال فحص بعض الملفات جارياً، مؤكداً أنه لم يكن تحقيق هذا الإنجاز المهم ممكناً من دون وجود محكمة واحدة متخصصة.
وأشار إلى أن من بين النزاعات القديمة قضية معقدة يزيد عمرها على 10 سنوات، وتحديداً من عام 2014، لتركة كبيرة جداً بعشرات الملايين، صدر فيها أكثر من 300 قرار، بعضها تنفيذي متعلق بأحد الورثة، فضلاً عن تشعبها بين أكثر من محكمة.