صموئيل العشاي يكتب: شعب ملوش كتالوج | أراء – الجريدة

في ليلة التاسع والعشرين من ديسمبر 2024، قبل نهاية العام بيومين فقط، كنت أعلق للدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، خلال وجوده في المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، في ندوة أدارها الأنبا إرميا الأسقف العام. تحدثت عن تلك الحملات الإلكترونية الممنهجة التي تقودها جماعة الإخوان عبر منصات التواصل الاجتماعي وقنواتهم المعروفة بخطابها المسموم. كانت حملتهم الأخيرة تهدف إلى نشر فكرة “لا تهنئوا الأقباط بأعيادهم”. شعرت حينها بمرارة تلك الأفكار التي تسعى لتقسيم مجتمعنا، لكنني كنت على يقين أن روح المحبة التي تسري في هذا الشعب أقوى من كل محاولة لتفتيت وحدته.

معجزة في القرآن الكريم

قبل حضوري الندوة، كنت قد أنهيت كتابة مقال عن مكانة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء في القرآن الكريم. تأملت في النصوص القرآنية التي كرمت السيد المسيح باعتباره كلمة الله وروحاً منه، وكيف أن ميلاده المعجز يعد من أعظم المعجزات التي شهدتها البشرية على مر العصور. تحدثت أيضاً عن السيدة العذراء مريم، التي اصطفاها الله على نساء العالمين، كما جاء في القرآن الكريم: “وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين”.

ذكرت كيف أن الإسلام، في نصوصه وتعاليمه، وضع السيدة مريم في مكانة لم تصل إليها سوى آسيا زوجة فرعون، التي ضرب الله بها مثلاً للإيمان والصبر. كانت هذه النصوص شاهداً قوياً على عظمة السيد المسيح وأمه، وعلى المحبة التي يدعو إليها الإسلام تجاه كل صاحب رسالة سماوية.

فتوى ترد على المغرضين

خلال الندوة، طلبت من الدكتور عياد إصدار فتوى سنوية تكون رداً حاسماً على تلك الجماعات المأجورة التي تسعى لتشويه صورة الإسلام واستخدامه كأداة للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد. في اليوم التالي، صدرت الفتوى التي أكدت أن تهنئة الأقباط بأعيادهم ليست فقط مباحة، بل هي واجب يعكس سماحة الدين الإسلامي.

لم تتوقف الرسائل الرسمية عند هذا الحد؛ ففي اليوم ذاته، خرج فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، ليعلن بوضوح أن “تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم هو فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة”. كانت هذه التصريحات بمثابة ضربة قوية لكل من يحاول استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية مغرضة.

رسالة لا تقبل الجدل

رغم قوة هذه الرسائل الرسمية، كنت أدرك أن هناك أصواتاً على وسائل التواصل الاجتماعي ستظل تردد أفكارها المسمومة تحت شعار “تبويس لحى ومجاملات دينية”. ولكن الحقيقة كانت واضحة في عيون الناس وأفعالهم.

فبينما كان البعض يحاول الترويج للفرقة، كانت التهاني تتدفق من كل مكان. رسائل نصية، منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، مكالمات هاتفية، وحتى لقاءات شخصية، كلها تحمل في طياتها مشاعر محبة صادقة. شعرت بفيض من المشاعر التي لا تعرف الحسابات أو المصالح، محبة خالصة تعبر عن روح هذا الشعب الذي لا يقبل القسمة أو الانقسام.

أرض المحبة والجدعنة

هذه هي مصر، البلد الذي يجمع بين الجدعنة والطيبة، بين الألفة والمحبة التي لا تعرف حدوداً. نحن شعب مختلف عن أي شعب آخر؛ شعب “ملوش كتالوج”. لا يمكن وضعه في إطار معين أو حصره في نمط محدد.

كمية التهاني التي وصلتني كانت أكبر دليل على ذلك. لم تكن مجرد كلمات تقال؛ بل كانت أفعالاً تعكس روحاً عظيمة تتحدى كل محاولات التفرقة. كانت رسالة واضحة أن المصريين، بمسلميهم ومسيحييهم، يقفون صفاً واحداً، متحدين في وجه كل من يحاول زرع بذور الفتنة بينهم.

شكراً من القلب

إلى كل من أرسل لي رسالة، إلى كل من هنأني، إلى كل من عبر عن مشاعره الصادقة، أقول: ألف شكر ليكم من قلبي. محبتكم أغلى من أي كلمات يمكن أن أصفها. أنتم الدليل الحقيقي على أن هذا الوطن بخير، وأن روح المحبة هي التي تنتصر دائماً.

لقد علمني هذا الشعب درساً جديداً في المحبة والوحدة. علمني أن القلوب الصادقة لا تعرف حدوداً، وأن الجدعنة ليست مجرد كلمة، بل هي نمط حياة يتجلى في أفعال المصريين كل يوم.

شعب ملوش كتالوج

نحن شعب مميز بتنوعه، بشخصيته، بقدرته على التكيف مع كل الظروف. نحن شعب يثبت يوماً بعد يوم أن قوته الحقيقية تكمن في وحدته، وأن المحبة هي الرابط الذي يجمع بين أبنائه.

قد يحاول البعض تشويه هذه الصورة، لكنهم يفشلون دائماً أمام مشهد المصريين وهم يهنئون بعضهم البعض، يحتفلون معاً، ويقفون بجانب بعضهم البعض في أوقات الشدة والفرح.

هي دي مصر، بلد المحبة والوحدة، البلد اللي مهما حاولوا يفرقوا بينا، بتفضل دايماً على قلب واحد. شعب مميز، عظيم، ملوش زي، ومهما حاولوا يحصرونا في قالب معين، هنفضل دايماً شعب “ملوش كتالوج”.

close