تواجه اللغة العربية تحدياً كبيراً يتمثل في عزوف طلبة وخريجين عن استخدامها في مختلف مجالات الحياة، بدءاً من المنزل، ومروراً بالمدارس والجامعات، وانتهاء بالحياة العملية، فيما أكد تربويون أن تعزيز اللغة العربية في عقول الأبناء يبدأ من الأسرة، مشيرين إلى أن تراجع اللغة العربية لحساب «الإنجليزية» يرتبط أيضاً بمعايير القبول والالتحاق بالجامعات، وواقع سوق العمل، الذي يعتمد بشكل كبير على اللغة الإنجليزية.
وتفصيلاً، أكد التربويون: فيصل راشد، وخالد مجاهد، وجمال العوضي، ومسعد الهاجري، وآمنة واصف، وعبير سعيد، وخولة حسن، أن المسؤولية في ما يخص تراجع مستوى اللغة العربية بين الأجيال العربية الشابة والصغيرة، تقع مناصفة بين مناهج تعليمية في المدارس الخاصة، والأسرة، مشيرين إلى أن الآباء والأمهات في كثير من الأحيان لا يشجعون أبناءهم على دراستها، ولا يخصصون لها وقتاً وجهداً كافيين لممارستها، ويعتبرون التحدث باللغة الأجنبية دليلاً على التحضر والتعليم الجيد، كما أن التوسع في التعليم الخاص والجامعي، أسهم في تشجيع الطلبة على تسخير كل جهودهم لتعلّم اللغة الإنجليزية لكونها لغة الدراسة، وذلك على حساب اللغة العربية التي لم يجدوا لها وقتاً، إلى جانب عدم اهتمام المدارس بها مقارنة بـ«الإنجليزية» ومادتَي الرياضيات والعلوم، إضافة إلى أن «الإنجليزية» هي اللغة الرئيسة في التعليم الجامعي، وتدخل ضمن معايير القبول والالتحاق بالجامعات.
وأفادوا بأن عدم استخدام اللغة العربية في مدارس وجامعات وأكاديميات، ترتب عليه تراجع أهميتها في نفوس الطلبة، وبات كثير منهم يتعامل معها على أنها لغة عبادة وصلاة فقط، حيث تصدرت اللغة الإنجليزية تعاملاتهم اليومية، سواء التعليمية أو الاجتماعية، مشيرين إلى أن العديد من الطلبة الجامعيين يصعب عليهم أحياناً إعراب جملة بسيطة أو التفرقة بين الظرف والحال، حيث نسوا ما درسوه منها خلال مرحلة التعليم العام، وتالياً تتضاءل لديهم اللغة، وتوقعوا تضاؤل أهمية اللغة العربية في التعليم عما هي عليه الآن، بعد قرار اعتماد اللغة الإنجليزية ومواد الرياضيات والعلوم معياراً للقبول الجامعي، ما يترتب عليه ضرر إضافي للغة العربية، وتهميش أكبر لها، وسيتراجع اهتمام الطلبة بها، نظراً إلى كونها لن تؤثر في القبول الجامعي.
تطوير برامج
ولفت المعلمون: محمد شاهين، ومحمد غالب، وإبراهيم قنواتي، وعليا المسكري، وعبير عاطف، وسوسن عياد إلى أن أغلبية المدارس الخاصة، وفقاً لتقارير التفتيش التي يتم إصدارها من الجهات التعليمية المسؤولة، تحتاج إلى تطوير برامج شاملة تدعم اللغة العربية في مختلف المراحل الدراسية لمنح الطلبة فرصاً لممارستها في سياقات مختلفة، وتطوير ثقتهم وكفاءتهم في المهارات اللغوية، وتضمين خطط الدروس بعض الروابط لدمج عناصر اللغة العربية، وتاريخ الإمارات وتراثها في المواد المقررة باللغة العربية، وإطلاق برامج شاملة تدعم اللغة العربية لتزويد الطلبة بفرص التفاعل اللغوي بأشكال مختلفة، وتعزيز الفرص بشكل كافٍ لتأكيد أهمية اللغة العربية في المجتمع المدرسي، لافتين إلى أن كثيراً من المدارس يقدم فرصاً سطحية لتعزيز معارف الطلبة ومهاراتهم في اللغة العربية وتاريخ وتراث دولة الإمارات.
ممارسات مجتمعية
بدورها، أشارت خبيرة المناهج وطرق التدريس، عزة عبدالله، إلى أن الممارسات التي يقوم بها أبناء اللغة تؤدي إلى تراجع اللغة أكاديمياً، فكثيرون من الآباء والأمهات يعتقدون أن فهم أطفالهم للهجة التي يتحدثون بها دليل على إتقانهم للغة العربية، وفي المقابل يسعون إلى تعليم أبنائهم اللغات الأجنبية في سن صغيرة جداً، بطريقة احترافية، سواء عبر إدخالهم في مراكز تعليم اللغات التابعة للسفارات والقنصليات الموجودة ببلادهم، أو تسجيلهم في مدارس دولية منذ سنّ ما قبل الروضة.
وأضافت: «بحسب تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2021، فإن السبب الرئيس في اندثار اللغات عالمياً أن نحو 40% من البشر لا يحصلون على التعليم بلغتهم الأم في العالم».
وأشارت إلى أن طرائق التدريس أيضاً تحتاج إلى تغيير وتطوير لتواكب الطرق الحديثة في تدريس اللغات، خصوصاً الإنجليزية والرياضيات والعلوم، حتى تجذب الطلبة، ويرجع هذا الأمر إلى المدارس نفسها والميزانيات المخصصة لتطوير وتدريب معلمي اللغة العربية، وتوفير مصادر تعلم متطورة لهم، مقارنة بما يخصص للمواد الأخرى التي غالباً ما تمتلك أدوات تجذب الطالب إليها، مقارنة بطرق تدريس اللغة العربية.
إقبال من الشباب
وقال المتخصص في شؤون التربية والتعليم، الدكتور وليد سالم، إن نسبة ليست قليلة من الأجيال الشابة تُقبل على تعلم الإنجليزية لغةً رئيسةً لديها، سواء في الدراسة أو في العمل أو داخل منازلها، ما أدى إلى ضعفها في اللغة الأم.
وأرجع سبب تصدّر اللغة الإنجليزية اهتمام فئات كبيرة من الأجيال الحالية على حساب اللغة العربية، إلى التوسع في التعليم الخاص والجامعات الخاصة التي تعتمد اللغة الإنجليزية، ورغبة الكثيرين منهم في الحصول على فرص عمل، ما يستلزم الحصول على تعليم متميز ولغة إنجليزية سليمة، إضافة إلى أن الآباء والأمهات في كثير من الأحيان لا يشجعون أبناءهم على دراستها، ولا يخصصون لها وقتاً وجهداً كافيين، ولا يستشعرون الخطر أيضاً، ويعتبرون التحدث باللغة الإنجليزية دليلاً على التحضر والتعليم الجيد.
وظائف
وأكد الخريجون: محمد السلامي، وفيصل عبدالله، وعادل الحمادي، وخالد البلوشي، وعايدة حسن، وزينة العامري، وتهاني مطر، وضحى العمري، أن «الإنجليزية» أصبحت من متطلبات النجاح في الحياة، فالطالب الذي يتقنها يكون مستقبله العملي أفضل بكثير من الطالب الذي لا يتقنها، مشيرين إلى أن سوق العمل لا يعترف باللغة العربية، ولا يقبل إلا من يجيد الإنجليزية، إضافة إلى أن جميع الوظائف المطروحة على مواقع رسمية – للهيئات والوزارات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة، وعلى حساباتها بموقع التوظيف «لينكد إن»، – تكون باللغة الإنجليزية فقط، وحتى الوظائف القائمة على إتقان اللغة العربية، رغم قلتها، تشترط في المتقدم إتقان «الإنجليزية» قراءة وكتابة، فيما لا تشترط أغلبية الوظائف معرفة اللغة العربية ولا تشير إلى هذا الأمر أصلاً.
تحليل مجتمعي
فيما أرجع مواطنون ومقيمون، على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، إشكالية تراجع اللغة العربية في المجتمع، إلى اعتماد مناهج أجنبية في مدارس خاصة، داعين إلى ضرورة أن تأخذ المدارس الخاصة في الاعتبار اللغة العربية كلغة أساسية في مواد التدريس، وأيضاً مادة متداخلة في جميع المواد التدريسية الأخرى.
وأشاروا إلى أن أكبر معضلة تواجه بعض المدارس الخاصة في الفترة الحالية، هي ضعف قدرة الطلبة على القراءة والكتابة باللغة العربية، ما تسبب في إفراز خريجين شباب عرب شكلاً وأجانب لساناً، مظهرهم الخارجي عربي وسلوكهم وتصرفاتهم أجنبيان.
وأكدوا أن التغلب على هذه التحديات يبدأ من الأسرة، فهي القادرة على تعزيز مكانة اللغة العربية بين أبنائها، مع مراعاة مصلحة الأبناء في تعلم لغة أخرى تناسب احتياجات سوق العمل.
10 محاور
وحدد «تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها» 10 محاور للوقوف على حالة اللغة العربية، وسبل تطوير أساليب استخدامها، بما يعزز وجودها المستقبلي.
وأنجز التقريرَ 23 باحثاً من دولة الإمارات ومختلف الدول العربية، وأسهم فيه 50 خبيراً في مجال اللغة العربية يعملون في كبرى المؤسسات الحكومية والجامعات والشركات التقنية. وتناول دراسة واقع التشريعات اللغوية في مدونة القوانين العربية، إضافة إلى رصد الكيانات المؤسسية التي تعنى باللغة العربية، وبتقديم صورة شاملة عن واقع اللغة العربية في المجتمعات العربية ومستقبلها، من منظور الخطاب السائد في وسائل الإعلام العربية المعاصرة المكتوبة والمرئية والمسموعة، وتبيان أهمية لغة الإعلام ودورها المؤثّر والفاعل في تشكيل العربية، وواقع النشر العربي واستخدامات اللغة العربية في الرواية العربية المعاصرة، وواقع العربية وهيمنة التكنولوجيا ودخولها في ثنايا وجودنا المعاصر.
وتضمنت محاور التقرير، الذي يُعدّ جزءاً من التزام الإمارات بهويتها الثقافية، ودورها كمساهم فاعل في الهوية الثقافية لمنطقتنا، من السادس إلى العاشر، علاقة اللغة العربية بالترجمة وتحديات المصطلح، وتشخيص واقع اللغة العربية ومستقبلها في مجتمعاتها العربية، ومواقف الطلاب الجامعيين العرب، واعتقاداتهم حول اللغة العربية وعلاقتهم بها، والمناهج المدرسية في تعليم اللغة العربية، إضافة إلى توصيف واقع اللغة العربية، والتحديات التي تعرقل انتشارها.
«الوطني» يناقش ترسيخ «العربية»
أكد المجلس الوطني الاتحادي أن لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام في المجلس، تناقش موضوع سياسة الحكومة في تعزيز دور ومكانة اللغة العربية لغة رسمية للدولة، ومكوناً أساسياً للهوية الوطنية، مشيراً إلى أن اللجنة ناقشت، الأسبوع الماضي، تحديات اللغة العربية في قطاع التعليم، والمقترحات التي من شأنها أن تسهم في حل هذه التحديات في العملية التعليمية بالمدارس والجامعات، وتأكيد أهمية التعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة، المعنية بتعزيز استخدام اللغة العربية في الهوية الوطنية والمجتمع بشكل عام.
خبيرة المناهج عزة عبدالله:
. السبب الرئيس في اندثار اللغات عالمياً أن نحو 40% من البشر لا يحصلون على التعليم بلغتهم الأم.
تربويون:
. مدارس خاصة تحتاج إلى تطوير برامج تدعم اللغة العربية في مختلف المراحل الدراسية لمنح الطلبة فرصاً لممارستها.
خريجون:
. «الإنجليزية» أصبحت من متطلبات سوق العمل.
. 10 محاور للوقوف على حالة اللغة العربية، وسبل تطوير استخدامها، بما يعزز وجودها المستقبلي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news